إقتصاد و أعمال

الكازينو : بين تكساس و”لودي”, كريدي “رجل سليمان” يقامر بالملايين ويتوارى

السفير نيوز – لبنان🇱🇧

ادّعى القاضي كرم على كريدي، بجرم إساءة الأمانة المشدّدة المنصوص عنها في المادة 672/عقوبات، التي تعاقب «بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات لأي مدير مؤسّسة أو شخص مُستناب من السلطة لإدارة أموال تخصّ الدولة أو الأفراد، وأساء الأمانة بالأموال المسلّمة إليه أو المناط أمرها به»، وأحال القاضي كرم الملف على قاضي التحقيق للتوسّع فيه واستجواب كريدي ومن يظهره التحقيق متورّطاً.

لطالما كانت “مغارة” كازينو لبنان لغزاً شيّقا للّبنانيّين لما يعكسه هذا المكان السّياحيّ الاقتصاديّ بامتياز من خفايا لا تشبه إلّا مباغتات مدّ وجزر “المقامرات”. إلّا أنّ اللّبنانيّ لا يزال عاجزاً عن توصيف مكانة الكازينو القانونيّة باعتبارها مؤسّسة عامّة تخضع للدولة اللبنانيّة أم شركة تجاريّة حالها حال الشّركات التّجاريّة العملاقة و كيفيّة إدارتها و “زواريب” عائداتها و توظيف “قدراتها” على المستوى الاقتصادي و السّياسي والتّوظيفي.

منذ أيّام, عرضت قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال تقريرا عن “شيفرات” الفساد “المستشري” والهدر”الإستثنائيّ” في الكازينو في عهد ميشال سليمان بشخص رئيس مجلس الإدارة كريدي (الموصوف بِرجُل سليمان) عبر صفقات بالملايين استناداً لمستندات دامغة في متن القرار الظنّي القضائيّ.

أبرزت التّحقيقات “لعبة” الصّفقات بين الشركات الأميركية ما قبل كريدي ( تكساس) والشركات الفرنسية مع كريدي (لودي) ,والتي أسفرت عن خسائر مليونيه للكازينو لمصالح منفعيّة شخصية عبر العمولات و “الإهداءات” لنفسِه إضافة للمخصّصات لصالح أعضاء مجلس الإدارة.

وحسب التحقيقات , فقد أهدى كريدي نفسه سيارة بقيمة خمسين ألف دولار و بطاقة ائتمان بسقف عشرين ألف دولار على حساب الكازينو بلا إذن ولا محاسبة و “تكارم” على موظفين وهميين بالرّواتب و هم خارج الحدود الّلبنانية. إضافة إلى اليد الخفيّة لحاكم مصرف لبنان و”أنترا” والسّلطة المتحكّمة بالمقامرة بخيرات الكازينو!

إثر التّقرير, ردّ المحامي شهيد الهاشم، بوكالته عن كريدي، محاولا دحض الاتهامات المزعومة الموجّهة إليه من شخص غير ذي صفة له (المحامي وديع عقل)  باعتبار أن الملف لآ يزال سرّياً وقيد التحقيق .و قد برّر الهاشم أنّ الكازينو “شركة خاصة وتحديداً شركة مساهمة لبنانية لها مساهميها ومجلس إدارتها وهو ليس بأي شكل من الأشكال مرفقاً عاماً”و يخضع لقانون التجارة لا لقانون المحاسبة العامة”. كما أبرز الهاشم أرقاما تُمجّد حُسن إدارة كريدي و “كرمه” مصرّحا أنّه : ” سلّم الإدارة الجديدة ما يزيد عن /25،000،000/ د.أ (خمسة وعشرون مليون دولار أميركي) مؤونات لتغطية تعويضات نهاية الخدمة لموظفي الكازينو وكان أول رئيس مجلس إدارة للكازينو يقوم بذلك وحقق الكازينو في عهده أرباحاً بلغت /218،600،000/ د.أ (مايتا وثمانية عشر مليون وستماية ألف دولار أميركي( قبض المساهمون منها /165،600،000/ د.أ (ماية وخمسة وستون مليون وستماية ألف دولار أميركي) وكوّن احتياطي بقيمة /53،000،000/ د.أ (ثلاثة وخمسون مليون دولار أميركي) كأرباح مدوّرة. وشكّلت هذه النتائج سابقة لم تحدث في تاريخ الكازينو.”

أمّا ما شكّل سابقة لم تحدث في تاريخ الكازينو, فهو الادعاء القضائي الحالي على “إنجازات” كريدي و كلّ من يظهره التّحقيق فيما يخصّ عمليّات الهدر والفساد واستغلال السّلطة والنّفوذ للمنفعيّة الشّخصية تحت مظلّة “سوء الأمانة” التي يجرّمها قانون العقوبات اللّبناني.

الملفِت أنّ الهاشم برّر في دفاعه عن كريدي “العطاء” بلا إذن أو محاسبة تحت عنوان أنّه “حقيقة العرف السّائد بالوراثة” قائلا أنّ : “ورث حميد الكريدي ومجلس إدارة الكازينو عرفاً يعود إلى تاريخ تأسيسه يعطي مساعدات إلى مؤسسات خيرية ورياضية وجمعيات قانونية لا تبغي الربح.” , كما برّر تغيّب كريدي عن حضور التحقيق بسبب ” وجوده خارج الأراضي اللبنانية حيث كان على الطبيب المعالج الإشراف المباشر على تنفيذ البروتوكول الطبي الخاص بعلاجه الطويل” ما يجعل إصدار مذكرة التوقيف الغيابية بحقه أمر غير واقعي حسب الهاشم.

و حسب ما ورد من مصادر متابعة للملفّ فإنّ إحالة كريدي على قاضي التحقيق في جبل لبنان ،يعني أن المدعي العام في جبل لبنان، القاضي كلود كرم، «وجد في هذا الملف شبهات جدّية تستدعي البدء بملاحقة كريدي ومن يظهره التحقيق ضالعاً في عمليات غير قانونية جرت في الكازينو” وقد تؤدي الى كشف الكثير عن المتورطين في عملية الهدر خلال رئاسة كريدي بين عامي 2009 و2017.

و في الوقائع, فقد كان وزير العدل جريصاتي قد أحال كتاباً على النائب العام التمييزي القاضي حمود الذي أحاله على كرم مثيرا مجموعة من الدعاوى بحق كريدي (أغلبها قدّمها المحامي وديع عقل ويطلب فيها تعيين حارس قضائي لحماية الأموال العامّة والخاصّة ووقف التدهور الإداري والنزف المالي الذي يصيب الكازينو منذ سنوات، وهذه الدعاوى في مرحلة الاستئناف حالياً)، إضافة إلى تقارير ماليّة صادرة عن لجنة الرقابة على الكازينو، وغيرها من المستندات التي تبيّن وجود أوضاع ماليّة غامضة وشبهات فساد في كيفيّة إدارة هذا المرفق العامّ.

و حسب مصادر الأخبار أنه وبحسب الشهادات فإنّ قيمة بعض الحفلات الفنيّة كانت موضع خلافات مستمرّة بين كريدي ومدير البرامج الفنيّة جوزف شلالا على خلفيّة تقييم “الحسابات” ممّا أدّى إلى نقله إلى قسم شؤون الموظّفين.

وتضيف الشهادات حسب ما ورد في الأخبار : «أن كريدي خالف أصول التعاقد المباشر بين الكازينو والفرق، المعمول به في هذا المرفق، واستعان بشركة وسيطة غير معروفة لإتمام هذه العمليّات التعاقديّة، ممعناً في هدر أموال الكازينو، بحيث تجاوزت أعباء الفرق الفنيّة للمسارح ضعفي الإيرادات المتأتية من نشاطها بين عامي 2011 و2016، رغم أن ما صرف من بدلات إعلانات وتسويق على العروض الفنيّة تخطّى ضعفي قيمة هذه العروض».


ويضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من مصادر الهدر التي كانت محور بعض جلسات الاستماع، وقدّمت مستندات حولها، وقد ضمّت إلى ملف الكازينو المُحال على قاضي التحقيق للتوسيع فيها، أبرزها:

1- استمرار تقاضي رئيس وأعضاء مجلس الإدارة مخصّصات ضخمة على الرغم من تراجع إيرادات الكازينو، وقد بلغت بين عامي 2011 و2016 نحو 126 مليار ليرة لبنانيّة، وزّعها مجلس الإدارة على نفسه دون العودة إلى الجمعية العموميّة، وتخصيص مبلغ مقطوع بقيمة مليون ليرة لكلّ عضو فيه (يبلغ عددهم 10) بدل حضور كلّ جلسة مجلس إدارة. والتدقيق في مخصّصات للمستشارين ومصاريف السفرات والرحلات.

2- صرف 40.8 مليار ليرة عام 2015 (بما يفوق رأسمال الشركة المقدّر بـ30 مليار ليرة) لدفع تعويضات الصرف من الخدمة لإنهاء خدمات 191 موظفاً (بعضهم وظّف قبل أيام من صدور قرار الصرف، وثلثهم أعيد إلى العمل لاحقاً بموجب عقود جديدة).

3- ارتفاع كلفة الرواتب والأجور بين عامي 2011 و2016 من 87 ملياراً إلى 110 مليارات ليرة نتيجة التوظيف السياسي وتوزيع المساعدات الاجتماعيّة استنسابياً. إضافة إلى تنامي قيمة العمولات (Extra Gracias) التي كانت تدفع دورياً للموظفين المحظيين استنسابياً دون وجود أي معايير واضحة وعادلة.

ويبقى السّؤال والتّساؤل الذي عجز اللّبنانيّون عن الإجابة عليه بشكل حاسم وواضح ويقينيّ : أين الحقيقة ومن وكيف ومتى يُحاسَب كلّ من غرق في فنون الفساد وأغرق المواطن في مآسي الوضع الاقتصادي للبنان و هل حقّا ستؤول التّحقيقات القضائيّة الى أحكام “مبرمة” أم ستبقى قرارات “ظنّية” كي يظنّ المواطن أنّ “العدل” سيأخذ مجراه؟

شيماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى