القضاء ينقضّ على المدافعين عن الحرّيات ونقيب المحامين يتغلّب على معارضيه
السفير نيوز – لبنان
صباح اليوم الجمعة، 12 أيار، أصدر القضاء اللبناني حكمه في قضية الطعن بقرار نقابة المحامين، حول تعديل نظام آداب مهنة المحاماة. حكم انقضّ على المدافعين عن الحريات، بعدما قرر القاضي أيمن عويدات رد الاستئنافين المقدمين من مجموعة من المحامين المعارضين للتعديلات النقابية.
موقف القضاء
ومن المعتاد في محكمة الاستئناف أن تصدر الأحكام يوم الخميس من كل أسبوع، إلا أن اللافت اليوم تزامن قرار عويدات مع انعقاد جلسة لمجلس نقابة المحامين، وربما يُعلن في الجلسة عن الإجراءات المتخذة بحق المحامي نزار صاغية، الذي حُقق معه لساعات طويلة في العشرين من نيسان الماضي بسبب ظهوره الإعلامي وانتقاداته لقرارات النقابة.
وفي المضمون، تسلّح عويدات بالاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان، ففصّل المادة 10 التي نصت على حرية التعبير: “لكل إنسان الحق في حرية التعبير..”، “هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات وشروط وقيود وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي”.
وعلل رأيه عويدات بمواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المحامين التي نصت على “حرية التعبير للمحامين مع وجوب تقيّدهم بأخلاقيات المهنة”.
ووفقاً لكلامه، فقد اعتبر أن ما ذهب إليه مجلس النقابة، المنتخب ديمقراطياً من قبل المحامين المنتسبين للنقابة، في قراره بتعديل أحكام نظام آداب مهنة المحاماة “جائز اعتماده كتدبير وقائي. إذ أن طلب الحصول على الإذن يسمح للنقيب بالاستفهام عن موضوع المقابلة أو الندوة أو إعطاء المحامي بعض الملاحظات أو تحذيره من آثار كلامه بموضوع الندوة..”. وتابع قائلاً: “إضافة إلى أن مجلس النقابة هو المسؤول الأول عن البت بطلب رفع الحصانة عن المحامي، في حال ارتكب أي فعل يقع ضمن مفهوم العقوبات، عند قيامه بالظهور العلني عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فيكون النقيب على بينة مسبقة من الظهور الإعلامي المشار إليه للمحامي وموضوعه قبل حصوله”.
محامون كثر اعتبروا أن الحكم الصادر عن القضاء اللبناني هو إنتصار لنقابة المحامين، فيما المؤكد منه أن مجلس النقابة سيرحب ويثني على القرار الصادر من عويدات اليوم، خصوصاً أن نقيب المحامين، ناضر كسبار، لطالما أثنى على جهود القاضي عويدات، ومدحه في مقالات سابقة له نشرت في “المحكمة”.
ففي تاريخ 25 آب عام 2020، أعاد كسبار نشر مقالة كان قد كتبها في تاريخ 28 شباط عام 2017 تحمل عنوان “القاضي أيمن عويدات …نعم سلّموه زمام الأمور”، ومقالة أخرى: “صفات القاضي أيمن عويدات تؤهله لأعلى المناصب”.
وفي هذه المقالات عرض كسبار بعض صفات القاضي عويدات، ليقترح بعدها ترشيحه رئيساً للحكومة أو وزيراً للداخلية قائلاً: “القاضي أيمن عويدات أمامكم. إذا لم يكن لرئاسة الحكومة..، على الأقل لوزارة الداخلية تحديداً، حتى يجعل المخلين بالأمن والزعران يندمون على الساعة التي ولدوا فيها”.
صاغية وتأثير القرار على الرأي العام
“خطورة هذا القرار ستنعكس على الجميع”، بهذه العبارة لخّص المحامي نزار صاغية موقفه من القضاء اللبناني. ففي حديثه لـ”المدن” شرح التداعيات “الخطيرة” التي سنشهدها في المرحلة المقبلة.
يعتبر صاغية أن القرار مجحف بحق حرية الرأي والتعبير، فموقف القضاء اللبناني يعني اليوم موافقته على حملة تكميم الأفواه الممنهجة التي بدأت منذ أشهر.
وفي الواقع، خطورة قرار عويدات لا تنحصر في موافقته على إلزام أي محامي بالحصول على إذن مسبق من النقيب قبل ظهوره الإعلامي، بل في التداعيات التي تلامس حرية الرأي والتعبير. ما يعني أن الأحكام القضائية ستتماشى مع محاولات المنظومة السياسية في كم الأفواه وملاحقة المعارضين.
وأكد صاغية لـ”المدن” أنه سيطعن في هذا القرار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بعدما تبين أنه يتضمن أخطاءً جسيمة، نظراً لاعتبار المضمون يخالف حرية التعبير. “كما أن خطورته ستظهر في مدى تأثيره على الرأي العام، ما يعني أن هذا القرار سيطال وسائل الإعلام خلال المرحلة المقبلة!”
ووفقاً لكلام صاغية، فإن القضاء اللبناني حكم على حرية الرأي والتعبير بالصمت، قائلاً: “في السابق قلت أن تقييد حرية المحامين، ستطال القضاة أيضاً، وحصل فعلاً ما ذكرته. واليوم هذا القرار سيطبق في الأسابيع المقبلة داخل نقابة المحامين في طرابلس. وتقييد الحرية سيصل إلى جميع النقابات وينتهي عند وسائل الإعلام والصحافة. فالهدف الأساسي هو تغيير مسار الرأي العام، وحينها لن ينصف القضاء أي معارض”.
وشدد صاغية على أهمية خوض هذه المعركة، التي يرفض تسميتها بمعركة فردية بل هي مواجهة للحفاظ على حرية الأجيال المقبلة. وعلى مجلس النقابة والأحزاب السياسية التي دعمت أعضاء هذا المجلس، ومحكمة الاستئناف، أن يتحملوا مسؤولية هذا القرار. واختتم حديثه قائلاً: “في السابق، سقطت نقابة المحامين في امتحان الحريات، واليوم نعلن سقوط القضاء اللبناني في هذا الامتحان”.
خلاصة الأمر، معركة الدفاع عن الحريات لم تنته، ولا يجب أن تنتهي، خصوصاً مع استمرار محاولات المنظومة السياسية وأدواتها في القضاء على أصوات المعارضين، لتتمكن من وضع حرية التعبير بين أنيابها.
كسبار: الحفاظ على الأعراف
علق نقيب المحامين ناضر كسبار على قرار محكمة الاستئناف، قائلاً “إنه من القرارات الكبرى التي أرست مبادئ مهمة في مجال ممارسة الحرية الإعلامية من قبل الزملاء المحامين، مستنداً إلى أحكام ومبادئ معتمدة في بعض الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان.
منذ البدء، لم يكن وارداً في ذهن مجلس النقابة التضييق على الحريات أو كم الأفواه كما روّج له البعض إعلامياً وحاولوا أن يجعلوا من الموضوع قضية رأي عام، بعد أن فشلوا في تسويق الأمور أمام المحامين الذين وقفوا سداً منيعاً بوجههم إلى جانب نقابتهم. إن هدف التعديل كان تنظيمياً لا أكثر ولا أقل رتبته الظروف الراهنة للظهور الإعلامي المتكرّر لقلة من المحامين خلافاً للقانون والأنظمة.
إزاء بعض الاعتراضات القليلة، حاولت النقابة استيعاب ردود الفعل غير المحقة، وكنا على يقين بأن الحقيقة ستظهر. وانتظرنا حكم القضاء رغم كل الانتقادات والافتراءات التي تعرضنا لها.
قلنا لهم أن القانون قانون.والنظام الداخلي هو نظام لرعاية شؤون المحامين، وتنظيم أعمالهم وتصرفاتهم وإطلالاتهم الإعلامية. والأنظمة الداخلية تطال مئات المواضيع من جلسات المجلس ومواعيدها، إلى الاختبارات الشفهية والخطية، إلى نظام الموظفين، إلى طريقة التعاطي بين المحامين والقضاة والمحامين مع بعضهم البعضومع الموكلين ومع الخبراء ومع الموظفين وسواهم”.
وأضاف: “ستبقى النقابة وفية للمنتسبين إليها، وحريصة على حقوق المحامين وحرياتهم وليس في نيتها التعامل بالمثل مع من وجّهوا لها أقسى الإتهامات والنعوت.
وستبقى النقابة حاضنة لكل أبنائها، ويبقى النقيب ومجلس النقابة ساهرين على حقوق المحامين ومصالحهم وكرامة المهنة ومكانتها، لا همّ لهم سوى تطبيق أحكام القانون والحفاظ على الأعراف وقواعد المهنة وآدابها وتراثها التي حافظت عليها النقابة منذ تأسيسها”.
المدن