إقتصاد و أعمالصحف و مقالات

اللبنانيون قد يلجأون الى تبييض الاموال إذا أقر ّقانون ويلسون… كيف؟

السفير نيوز-مقالات وصحف

لم تهدأ الشائعات التي لا تزال تشغل السوق اللبنانية عن نية بعض المصارف إقفال فروع لها في مناطق الجنوب أو الضاحية، بعد طلب وزارة الخزانة الأميركية من المصرف المركزي إغلاق فروع المصارف في هذه المناطق، وذلك على الرغم من نفي نائب رئيس جمعية المصارف نديم القصار لـ”النهار العربي” ما يشاع. وتأتي هذه المعلومات على خلفية التشريع الذي كان قد تقدم به في 30 أيلول (سبتمبر) النائب الجمهوري جو ويلسون، وهو عضو في لجنتيْ العلاقات الخارجية والقوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، ويحض على منع “حزب الله” من تبييض الأموال.  والتشريع الذي يحمل عنوان “منع تبييض أموال حزب الله للعام 2020″ يدعو الرئيس الأميركي إلى اعتبار المناطق الخاضعة لسيطرة الجزب في جنوب لبنان ومنطقة الحدود الثلاثية في أميركا الجنوبية، أي نقطة تقاطع حدود الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، بأنّها تمثل مخاوف أساسية لجهة تبييض الأموال، بموجب المادة 311 من قانون باتريوت. ويبدو أن هذا القانون قد اتى بخلفية تختلف عما سبقه من اقتراحات قوانين، وفي حال اقراره سيشكل سابقة خطيرة لناحية سعيه الى التقسيم الجغرافي للبنان وهو أمر لم تعهده الجمهورية اللبنانية في أي من القوانين التي تم اصدراها على المستوى المحلي أو المستوى الدولي وخصوصا حيال ما يتعلق بمواضيع العقوبات. وينص القانون على منع المصارف اللبنانية من  فتح اي فروع لها في مناطق يسيطر عليها “حزب الله” الذي تعتبره الادارة الاميركية منظمة ارهابية، ومن هنا تبرز جدليات عدة اولها وفق ما يقول الخبير القانوني الدولي في الشؤون المصرفية المحامي علي زبيب ما يتعلق بتعريف المنطقة التابعة ل”حزب الله”. فهل سيقوم المشرع الأميركي بإصدار لائحة بالمناطق الممنوعة أو المناطق التابعة ل”حزب الله”، وعلى اي أساس؟ هل على اساس انتخابي أو على اساس ديموغرافي، خصوصا وأننا نعلم ان ثمة مناطق انتخابية مختلفة عن الواقع الديموغرافي أو سيكون ذا طابع سياسي. هذه الجدلية برأي زبيب “ستصطدم بإستحالة في التطبيق واستحالة في الفهم إن كان على المستوى المحلي لناحية المصارف أو على مستوى السلطات المحلية”.  أما الجدلية الثانية من المنحى القانوني، فهذا القانون ليس قانوناً دولياً بل أميركياً، ويتوجب على المصارف تطبيقه مخافة أن تفع تحت عقوبات اقتصادية اميركية خصوصا أنها قد تحرمهم من التعامل مع المصارف المراسلة بما يعني نهاية هذه المصارف. وفي حال قررت هذه المصارف تطبيق القانون بحالته الحالية فإنها ستكون امام مخالفة دستورية واضحة خصوصا في ما يتعلق بالمادة السابعة من الدستور اللبناني لناحية منعها من التفرقة بين المواطنين اللبنانيين وستصطدم عمليا بعدد آخر من المعوقات خصوصا منها ما يتعلق بالتطبيق العملي، فكيف للادارة الاميركية السيطرة على ما يسمى ممن تعتبرهم من بيئة “حزب الله”.. فإذا تم اقفال المصارف في منطقة الضاحية الجنوبية مثلا، فإنه يمكن للقاطنين في هذه المنطقة أن يلجأوا الى مناطق مجاورة للولوج الى القطاع المصرفي فيها. وكذلك ينطبق هذا التدبير على مناطق الجنوب حيث يمكن الولوج الى المصارف في مدينة صيدا مثلا التي لا تقع تحت سيطرة “حزب الله” على الاقل انتخابيا وفيها مكونات اخرى تختلف معه اختلافا جذريا وعقائديا، وهناك أحزاب وتيارات سياسية مختلفة وتاليا لن تطبق هذا القانون في حال اقراره على هذه المناطق وغيرها من المناطق.  إذا، التداخل الجغرافي في لبنان يجعل تطبيق هذا القانون أمرا مستحيلا، وهو ما حدا بزبيب الى اعتباره بمثابة فقاعة اعلامية تترافق مع التحضير للانتخابات الرئاسية الاميركية من باب جذب الاصوات او اللوبيات التي لديها القدرة الضاغطة والباع في عملية الانتخابات الاميركية. وثمة نقطة اخرى بالغة الاهمية يشير اليها زبيب وتتعلق بـالـ Financial  exclusion  والـ financial inclusion  اي عملية الشمول المالي. فالقطاع المصرفي الاميركي وكذلك المشرع الأميركي يتغنيان بعملية الشمول المالي، وهو ما يعني اعطاء الحق الكامل بالنص والممارسة للجميع حول العالم بالولوج الى القطاع المصرفي وخدماته. ويتخذ هذه الامر أهميته من باب أن ضمان الشمول المالي سيضمن المراقبة الدائمة لجميع العمليات المشبوهة او العمليات غير المبررة في القطاع المصرفي بما يمكن المؤسسات المصرفية ووحدات التحقيق الخاصة المصرفية ولجان الرقابة في اي دولة من مراقبة اي عمليات مشبوهة، وتاليا سيتمكنون بشكل مباشر من حصر عمليات تبييض الاموال والتهرب الضريبي ومنها التقليل من عمليات تمويل الارهاب. من هنا يرى زبيب أن تطبيق هذا القانون الذي أتى بعنوانه “منع حزب الله من تبييض الاموال” متناقضا ومخالفا تماما لعنوانه حيال تطبيقه، “لأن تطبيق هذا القانون سوف يجعل المواطن اللبناني محروما بشكل مباشر من الشمول المالي، وسوف يخرج عددا كبيرا من المواطنين من القطاع المصرفي وتاليا سيدفع هؤلاء الى الركون الى الانظمة المالية المتوازية وسيتوجب عليهم القيام بعمليات تقع تحت مظلة تبييض الاموال والتي يضعها المشرع الأميركي وكذلك القانون اللبناني رقم 44 الصادر في 23/11/2015 تحت خانة تمويل الارهاب”. أمام هذا الواقع، يجب أن يتقين المشرع الاميركي أن اقرار هكذا قوانين سيكون لها مفعول عكسي ولن تتحقق الغاية من ناحية الهدف المعلن، بل ستزيد من عملية تبييض الاموال في نظام مصرفي مهتئ ودولة مفلسة، وفي ظل ازمة مستفحلة انتجت شعبا قادرا على تبييض الاموال نظرا لعدم ثقته بالقطاع المصرفي. فالشعب اللبناني تعلم سلوكيات وطرقا متنوعة في عملية ادارة امواله قد تقع بالنص والممارسة تحت مظلة تبييض الاموال. ولا بد من الاخذ في الاعتبار أن الادارة الاميركية تعتبر أن مصلحة الولايات المتحدة هي فوق الجميع، ولكن اذا وضعنا عملية الفقاعة الاعلامية والانتخابية جانبا، “لا بد من الاعتراف بان القوانين السابقة التي تم اقرارها ضد حزب الله وهي الـ Hizbollah International Financing Prevention Act بصيغته الاولى عام 2015 وبصيغته المعدلة عام 2017 والتي هدفت الى تجفيف منابع “حزب الله” وخنقه اقتصاديا إن عبر بيئته من رجال اعمال او عبر حلفائه على الأرجح لم تؤت ثمارها بدليل ان “حزب الله” لم يتأثر بهذا الموضوع وتاليا قد يجد الاميركيون أنه يجب اقرار قوانين أكثر صرامة وتشكل عملية ضغط على “حزب الله” وبيئته. لذا فان القانون المقترح يذهب الى اقصى حدود كونه ينطلق من مبدأ التقسيم الجغرافي وقد يكون هدفه التقسيم الديني”، وفق ما يقول زبيب. بعد االنظرة التحليلية والعلمية للقانون يؤكد زبيب أنه “على الدولة اللبنانية ان تقوم بواجباتها حيال الاستعداد للسيناريو الاسوأ”. كيف؟ من خلال فتح قنوات التواصل مع الادارة الاميركية ومع مركز القرار الاميركي للحؤول دون اقرار هكذا قانون والذي سيكون له تبعات سلبية جدا وسيشكل ضربة غير مسبوقة لقطاع بات أصلا قيد الافلاس وينتظر “رحمة الله” عبر استحواذ مصارف اجنبية على بعض المصارف اللبنانية لانتشالها من الازمة التي أوقعت نفسها بها”. وتاليا فإن آخر ما يحتاج اليه القطاع هو هذا النوع من القوانين الهدامة، بما يستدعي فتح قنوات التواصل ان كان عبر الحكومة او عبر المصرف المركزي او عبر المصارف على أن تكون هذه الخطوات متوازية ومتوازنة بالتنسيق مع كل الجهات المعنية. كما لا بد من تفكير الحكومة بتعيين مبعوث خاص موثوق به من كل الاطراف للمساعدة في فتح هذه القنوات ولشرح وجهة النظر للمشرع الاميركي والكونغرس بان هذا القانون سيكون له مفعول عكسي لكونه قد ينتج عنه عمليات تبييض اموال أكبر وسيسبب حتما بالافراج المالي وسيضرب مبدأ الشمول المالي الذي تحاول الولايات المتحدة تعميمه ونقله الى جميع الدول.

المصدر:سلوى بعلبكي-النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى